مدونة عالم الطفل

قصة قصيرة : اليد الملوثة

Posted on: مارس 2, 2010

ولجت إلى القسم بعد أن تناهى إلى سمعها صوت الجرس ،الزهرات اليانعات متشوقات لسماع حصتها المفضلة ألا وهي مادة التربية الإسلامية . بنفس العزيمة الصلبة الثابتة التي ألفنها فيها سجلت على السبورة بخط عريض عنوان الدرس :من أخلاق المسلم . ثم عادت أدراجها إلى مكتبها الأنيق ،وطرحت سؤالها بكل شفافية ووضوح :ما هي المزايا الحسنة التي من واجب المرء التحلي بها ؟

التلميذات رفعن أصابعهن متحمسات للإجابة ما عدا هويدا ظلت منكسة رأسها المكور وكأن الأمر لا يعنيها بتاتا،هائمة في ضبابية سوداء من التعاسة السميكة ،والمرارة القاتلة ،والصمت الآسر الحزين.تبدو كأنما فقدت حلاوة الحياة ولذتها .

أعادت الأستاذة سؤالها ساعية لاجتثاثها من بؤرة الصمت التي انغمست فيها ،ولكن لا حياة لمن تنادي ،ما زالت تتسلق أسوار الصمت لاهثة ،من يراها يظن أنها راهبة بين جدران الدير تتعبد .


تقدمت منها بضع خطوات، وقالت لها برفق عسى أن تتوغل في أغوار نفسها السحيقة، وتتعرف على خباياها :لم لا تحاولين الإجابة عن سؤالي؟السؤال في غاية البساطة لا تعقيد فيه. أنظري إلى زميلاتك ،كوني مثلهن.


وقفت هويدا من مجلسها ،ونطقت باقتضاب شديد كأنها على شفير هاوية :كاد الفقر يكون كفرا .

ــــ أنت تخلطين بين الأمور ،ماذا جرى لعقلك ؟

لوت التلميذات أعناقهن الطرية صوب هويدا ،تهامسن ،تضاحكن ،وتغامزن،وعلت جلبة صاخبة بين الصفوف .

ــــ هدفك الوحيد عرقلة الدرس ليس إلا .

أجنت هذه البنت وهي في عمر الزهور؟هل تستدعي ولي أمرها لتطلعه على ما جرى؟ هل ترفع تقريرا صارما للإدارة للنظر في قضيتها ؟

هذه الأسئلة الساخنة الملتهبة كلها تناقلت على ألسنة الطالبات وعلائم الدهشة تفترش وجوههن المشرقة.

ـــ ما الذي أفسد عقلك أشرقت بالبكاء؟ وقالت وغصص الألم تخنق صوتها :انطلقت من فمي كقذيفة مجنونة دون وعي مني ،ألتمس عفوك سيدتي . لا تخبري والدي ، أرجوك ،يكفيه مما هو فيه .

شعرت الأستاذة ببعض العطف عليها ،والجملة الأخيرة يكفيه مما هو فيه أثارت في نفسها تساؤلات عدة ،ولكن ستؤجل مساءلتها بعد نهاية الحصة .

أنشأت الأستاذة تشرح درسها وتناقشه مع تلميذاتها ،وأخيرا توصلن إلى خلاصة موجزة ،وذيل الدرس بتطبيقين فوريين.

الجرس يدق معلنا وقت الراحة ،جمعت الطالبات أدواتهن بخفة عجيبة ،وتدفقن في الفناء الواسع فرادى وزرافات .

ـــــــ ماذا هناك يا سيدتي ؟

ـــ اعتبريني والدتك أو أختك الكبرى ،أفرغي كل ما يعتمل بصدرك الجريح ،لن أتوانى ولو لحظة في مساعدتك ،أعدك .

تنفست الصعداء بمشقة بالغة وقالت :ساءت حالتنا كثيرا يا سيدتي . والدتي طريحة الفراش منذ شهر ونصف ،ولم تتعاف ،لم يكن بحوزتنا المال لنعرضها على الأطباء ،إنها تموت ببطء أمامنا ،ونحن لا نحرك ساكنا ،لقد عجزنا تماما على علاجها . ما العمل سيدتي ؟ ما العمل ؟

ـــ والدك موظف بالشركة . أليس كذلك ؟

ـــ نعم يا سيدتي ،الشركة التي يعمل بها آلت إلى الإفلاس ،ولذا استغنوا عن خدماته .

ـــ أليس لك إخوة كبار؟

ـــ لي أخ واحد فقط مغترب عن الديار، و انقطعت أخباره عنا منذ زمن بعيد.

ـــ لا تدعي خيبة الأمل تستحوذ على آمالك، و أنت تدركين جيدا أنك على أبواب الشهادة، شهادة التعليم المتوسط، أريدك أن تكوني ضمن الناجحات، ومن اليوم فصاعدا ستجدينني بجانبك على الدوام، لن أتخلى عنك أبدا.

كانت تستدعيها إلى بيتها مادة لها يد العون معنويا و ماديا، و تدعمها بدروس اللغة العربية، و التربية الإسلامية، كما تمنحها بعض الكتب التي هي بحاجة إليها دون أن تنتظر منها المقابل.

وفعلا برز اسمها في القائمة المعلقة على الجدار، وكانت أعظم سعادة استشعرتها الاثنتان معا .

ألقت في أذنها نصائح ثمينة لا تقدر بمال:أثناء انتقالك إلى الثانوية عليك بمضاعفة جهودك في الدراسة لأن السنة الثالثة تؤهلك لاجتياز شهادة البكالوريا.

كانت هويدا تتردد عليها في منزلها لطلب المساعدة حتى ألفت البيت تماما و صارت فردا هاما من أفراده.

و ذات يوم حدث ما حدث.

وقعت عيناها على سلسلة ذهبية وفي رمشة عين امتدت يدها الملوثة فاختلستها، وحين همت بالانصراف سقطت منها على مرآى أستاذتها فقالت و الأسف يمخر صوتها: لم اقترفت هذا العمل المشين يا هويدا ؟

و تأكدت تماما بأن المدرسة لن يكتمل دورها الفعال في تربية النشئ إن لم تلعب الأسرة دورها في تهذيب النفوس.


قصة من:غزالة الزهرة

المصدر : موقع القصة العربية

أضف تعليق

أدخل عنوان بريدك الالكتروني لتلقّي رسـالـة عند إضافة موضوع جديد

انضم مع 17 مشترك